Skip to main content
/

د. علي عبد العزيز العيساوي : من يطلق سراح القطة؟؟

تعلمنا في المدرسة الابتدائية في إطار التنشئة على السلوك القويم والخلق الحميد ضمن تعاليم الإسلام الحنيف قصة وردت فى حديث نبوى شريف عن امرأة دخلت النار فى هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل.
من خشاش الأرض فماتت القطة ودخلت المراة بسببها النار، وعندما توليت مهام أمين اللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة والاستثمار تلك المسئولية والتى تتعلق بشكل كبير بحياة المواطن وقوت يومه ضلت صورة تلك القطة ماثلة أمامى وظل معنى القصة حاضرا فى ذهنى وتساءلت إن كان حبس هرة يدخل النار فكم من نيران سيدخلها من يحبس انسانا، ويقف في طريق حقه فى حياة كريمة ومستوى معيشة لائق ؟!!
خاصة بعد ما اكتشفت ذلك الكم الكبير من القيود الادارية والبيروقراطية الموجودة لممارسة النشاط الاقتصادي بشكل قانونى والتي تحبس الإنسان عن الكسب الشريف و لقمة العيش له و لأسرته والتى أدت إلى التحول للاقتصاد الغير رسمى لنسبة غير معلومة بدقة من ممارسي النشاط الاقتصادي والتى فى تقديرى العملى لها انها ليست بالقليلة وأن المواطن يجد نفسه فى كثير من الأحيان لا يستطيع ممارسة نشاطه بشكل قانونى حتى يدخل الجمل في سم الخياط بسبب المتطلبات و التشريعات و الإجراءات المجحفة والغير منصفه فى كثير من الأحيان.
على سبيل المثال لا الحصر يطلب من المواطنين الليبيين حد أدنى لرأسمال الشركة المساهمة مائة ألف دينار ليبي فى الوقت الذي ألغت فيه ما يزيد على أربعين دولة في العالم هذا الشرط ( الحد الادنى لرأس المال) وفتحت الباب امام الشباب والخريجين الجدد لبدء حياتهم و تأسيس شركاتهم وفق امكانياتهم وتشمل هذه الدول معظم الدول المتقدمة وعدد كبير من الدول النامية التي تسعى إلى التنمية وخلق فرص العمل ونتيجة لذلك وجدنا العديد من الشركات الاجنبية التي تعمل بالجماهيرية منها ما تأسس برأسمال مائة جنيه إسترلينى ومنها ما تأسس بما يعادل ثلاثة الآف دينار ومنها ما رأسمالها خمسة عشر الف دينار فقط وتعمل فى مجالات مثل النفط والغاز ومنها ما له تعاقدات تصل الى مليار دينار.
وفى الوقت الذى لا يسمح فيه للشركات الوطنية بالتعاقد على مشاريع تفوق عشرين ضعفا من راسمالها نجد ان هذا الشرط غير مطبق على الشركات الاجنبية !!!.
كما أنه في الوقت الذى يفرض على المواطن الليبي الحصول على مقر فى موقع معتمد من التخطيط العمرانى للحصول على ترخيص لنشاطه وذلك فى ظل أعمال الإزالة والتطوير التى تجرى الآن وعدم جاهزية المناطق الصناعية وعدم توفر مخططات معتمدة كافية لاستيعاب الداخلين الجدد للنشاط الإقتصادى الذين يتزايدون كل يوم نجد أن الشركات الاجنبية كانت تمارس نشاطها بمجرد الحصول على موافقة التسجيل دون الحصول على ترخيص أسوة بالمواطنين الليبيين.
إن الشروط والاجراءات لم تكن مجحفة فقط بل وتمييزية أيضا لصالح الاجنبي، وضد المواطن الليبي؛ الأمر الذى لا اعتقد انه موجود فى اى بلد فى العالم !
فحتى في مجال الإعفاءات والحوافز الخاصة بالاستثمار، تم منح هذه الإعفاءات والحوافز للاجانب فقط بموجب قانون رقم (5) لسنة 1997. ولم تمنح نفس الحوافز للمحلى إلا بعد شكوى مريرة من المستثمرين المحليين و بعد فترة زمنية امتدت إلى العام 2007، فهذه العملية كانت عكسية فى الجماهيرية فى حين يطالب المستثمرون الأجانب فى الدول المختلفة بمعاملتهم المعاملة الوطنية ضل الليبيون يطالبون بتسويتهم بالمستثمرين والشركات الاجنبية، وهنا رايت انه صار ينطبق علينا قول الشاعر: ” حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس”
وهذه القيود ساهمت بشكل كبير فى زيادة هامش الفساد والابتزاز والتزوير بدرجة اتسع الخرق معها على الراقع كما يقال، وهنا رأيت أيضا انه لابد من العمل على تحقيق معاملة متساوية ومنافسة عادلة للجميع وإزالة القيود والعوائق أمام الكسب الحلال.
لقد ظهرت في الاقتصاد الليبي دعوات ملحة إلى تحرير الأسعار وإزالة التشوهات التي سببها وجود سعرين مختلفين نتيجة لنظام الدعم العيني الموجود في السلع الغذائية والمحروقات وهي دعوة لا ينكر وجاهتها المختصون بسبب ما ينتج عنها من تسربات لغير المستهدفين بنظام الدعم والهدر في استعمال الموارد والسلع المدعومة إضافة إلى ماتتسبب فيه من إحباط للإنتاج وما يترتب على ذلك من ضياع لفرص العمل والقيمة المضافة في الاقتصاد الوطني، غير أن الملاحظ أن الدعوة لتحرير الأسعار صارت تتعاظم وتطرح كأولوية وكأنها الحل الناجع لكل مشاكل الاقتصاد الليبي. وكأن تقييد الاسعارهو التشوه الوحيد في الاقتصاد الليبي ومع شمول هذه الدعوة لتحرير أسعار المحروقات التي تكاد وفرتها تكون هي الميزة النسبية الوحيدة للاقتصاد الليبي وماينتج عن هذا التحرير من آثار على مستوى المعيشة وتنافسية القطاع الإنتاجي فإن هذا الجدل يزداد حدة وصار لابد هنا من كلمة سواء طالما رددناها مرارا وتكرارا.
إن تحرير الأسعار ينبغى ألا يتم بمعزل عن تحرير الاقتصاد فهو مجرد جزء من كل فمن سيدفع التكلفة الحقيقية للسلع والخدمات يجب أن تكون له الحرية في ممارسة النشاط الاقتصادي دون قيود أو عوائق تعرقل حصوله على مستوى الدخل المناسب لتمويل تكاليف حصوله على هذه السلع والخدمات بأسعارها الحقيقية إذ أن الاكتفاء بمجرد تحرير الأسعار هو كمن يقوم بإجراء عملية جراحية ضرورية لمريض وما إن يبدأ في هذه العملية ويفتح بطن هذا المريض بمشرطه حتى يتوقف عند هذا الحد ويترك مريضه يغادر فماذا تتوقعون أن تكون النتيجة ؟ وهو تماماً كمن يحاول أن يتجاوز وادياً أو حفرة تعترض طريقه عبر القفز فوقها على مرحلتين وبالتالي فالنتيجة ستكون هى السقوط في الهاوية .
كما أن البدء بتحرير الأسعار دون إتمام متطلباتها الضرورية لا يمكن وصفه إلا بعملية وضع العربة أمام الحصان فهل يمكن لهذه العربة أن تسير؟
وهنا قلت لنفسي إن التشوهات الموجودة فى الاقتصاد الليبي ليست فى الاسعار وحدها بل تتعداها الى جوانب كثيرة و ان الدولة امام خيارين اما ان تطعم القطة وإما أن تطلق سراحها وإلا فستموت واذا ماتت فهي قطة لها خمسة ملايين و ستمائة الف روح فكيف ستكون النتيجة والعقوبة عندئذ؟.

هذا يقودنا إلى الحديث عن العلاقة بين زيادة هامش الحرية الاقتصادية من ناحية والزيادة في مستوى دخل الفرد من ناحية أخرى، لقد بدأت محاولات اكتشاف العلاقة بين الحرية الاقتصادية والرخاء في الثمانينات وتم البدء في قياس ترتيب الاقتصادات المختلفة حسب درجات الحرية الاقتصادية فيها كما بدأت مؤسسات مثل (Fraser institute – heritage foundation) وبعض البُحاث في إصدار مؤشرات الحرية الاقتصادية كمحاولة لقياس الحرية الاقتصادية، ولكن قبل ذلك ما هو مفهوم الحرية الاقتصادية، الحرية الاقتصادية تعرف عادة بأنها حرية إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها والمتاجرة بها دون استخدام للقوة أو السرقة أو الاحتيال ويتجسد ذلك من خلال سيادة القانون وحق التملك والتعاقد وانفتاح السوق داخليا وخارجيا وتتضمن مقاييس الحرية الاقتصادية ، عشر بنود تشمل الاتى:

  • مقياس حرية الأعمال: ويتمثل في القدرة على إنشاء وممارسة وإنهاء مشروع اقتصادي معين بسرعة وسهولة، حيث تعد القواعد والإجراءات المرهقة والمطولة بمثابة قيد ضار بحرية ممارسة النشاط الاقتصادي الخاص.
  • مقياس حرية التجارة: وهو عبارة عن مقياس مركب حول غياب أية قيود جمركية أو غير جمركية من شأنها أن تؤثر على الواردات والصادرات من السلع والخدمات.
  • مقياس الحرية النقدية: ويشتمل على مقياس لاستقرار الأسعار مع تقدير القيود المفروضة، حيث أن للتضخم والقيود على الأسعار أثار تشوهية على نشاط السوق.
  • مقياس التحرر من الحكومة: ويتضمن هذا المقياس كل النفقات الحكومية بما فيها الاستهلاك الحكومي والتحويلات والمشروعات المملوكة للدولة.
  • مقياس الحرية المالية: ويستخدم لقياس مدى وطأة الحكومة أو العبء الحكومي من ناحية الإيرادات، حيث يشتمل على العبء الضريبي بالنظر إلى نسبة الضريبة الأعلى إلى الدخل، إضافة إلى حجم الإيرادات الضريبية كنسبة من الدخل.
  • مقياس حقوق الملكية: وهو بمثابة مقياس لمدى قدرة الأفراد على مراكمة الملكية الخاصة، والتي يتم صيانتها وحمايتها من قبل الدولة من خلال تطبيق قوانين واضحة وصريحة بالخصوص.
  • مقياس حرية الاستثمار: وهو معيار لتعيين مدى حرية تدفق رأس المال، لاسيّما رأس المال الأجنبي.
  • مقياس الحرية التمويلية: وهو معيار للأمان المصرفي، إضافة إلى الاستقلال عن الرقابة الحكومية. ملكية الدولة للمصارف والمؤسسات المالية الأخرى مثل الأسواق المالية والتأمين عبء يقلل من الكفاء. كما أن التفضيلات السياسية لا مكان لها في سوق رأس المال الحر.
  • مقياس التحرر من الفساد: وهو مؤسس على بيانات كمية تمكّن من إدراك الفساد أو الإحساس به في بيئة الأعمال، بما فيها مستويات الفساد الإداري والقضائي والقانوني في الحكومة.
  • مقياس حرية العمل: وهو معيار مركب لقياس مدى قدرة العمال ورجال الأعمال على التفاعل دون أية قيود من قبل الدولة.

وتعطي هذه المقاييس وزناً ترجيحياً متكافئاً ضمن مؤشر الحرية الاقتصادية، وذلك لضمان عدم تحيز الترتيب الكلي باتجاه عنصر معين أو سياسة معينة.
في الجماهيرية ورغم التطور الإيجابي لمستوى مؤشر الحرية الاقتصادية خلال الفترة من 1996 – 2008 من 25.7 الى 38.7 بسبب التحول عن العديد من السياسات والإجراءات التقييدية للنشاط الاقتصادى إلا أن هذا المؤشر ظل منخفضا عن المتوسط العالمى بشكل كبير وظل ترتيب الجماهيرية ضمن اقل خمسة عشر بلدا فى العالم من حيث الحرية الاقتصادية فى اخر اصدار لهذا المؤشر للعام 2008 ( الجدول 1) الأمر الذي يفرض تكلفة باهظة على الاقتصاد الليبي ومستوى دخل الفرد تحديدا.

الجدول (1)

أعلى وأقل 15 دولة في الترتيب

الحرية % الدولة الترتيب (أقل 15 دولة) الحرية % الدولة الترتيب (أعلى 15 دولة)
47.1 أنغولا 143 90.3 هونغ كونغ 1
46.6 سوريا 144 87.4 سنغافورة 2
46.3 بوروندي 145 82.4 جمهورية إيرلندا 3
45.2 جمهورية الكونغو 146 82.0 أستراليا 4
45.1 غينيا بيساوي 147 80.6 الولايات المتحدة 5
45.0 فنزويلا 148 80.2 نيوزيلندا 6
44.9 بنغلاديش 149 80.2 كندا 7
44.7 روسيا البيضاء 150 79.7 تشيلي 8
44.0 إيران 151 79.7 سويسرا 9
43.4 تركمنستان 152 79.5 المملكة المتحدة 10
39.5 ميانمار 153 79.2 الدنمارك 11
38.7 ليبيا 154 77.8 إستونيا 12
29.8 زمبابوي 155 76.8 هولندا 13
27.5 كوبا 156 76.5 أيسلندا 14
3.0 كوريا الشمالية 157 75.2 لوكسمبورغ 15
وال ستريت جورنال و (The Heritage Foundation)

فقد أوضحت دراسة علمية مقارنة لعينة من 156 بلدا بما فيها الجماهيرية أن البلدان التي حققت مستويات حرية اقتصادية أعلى من المتوسط العالمي، تمكنت من تحقيق مستويات دخل فردي أعلى من البلدان التي تتسم بمستويات حرية اقتصادية أقل من المتوسط كما ان العلاقة بين المتغيرين ( الحرية الاقتصادية و دخل الفرد) هي علاقة طردية ذات أهمية، غير أنه وبالرغم من أن ليبيا حققت مستوى حرية اقتصادية منخفض جدا، فإنها تمكنت من تحقيق مستوى دخل اعلى من متوسط الدخل العالمي و التفسير الوحيد لذلك هو أن صادرات النفط عوضت تأثير مستوى الحرية الاقتصادية على الدخل الفردي، أي أنه لولا توفر صادرات النفط أنتجت السياسات و الإجراءات التقييدية في ليبيا مستوى دخل مقارب لذلك الذى حققته لاوس ( الجدول 2) . و نلاحظ أيضا أن بلدا مثل لبنان الذي لا يتوفر على أي احتياطيات نفطية او ثروات طبيعية تذكر، استطاع أن يحقق مستوى دخل قدره 5097 دولار، يقارب بل و يفوق ذلك الذى حققته ليبيا ، وذلك بفضل سياساته الأكثر تحررا اقتصاديا.

الجدول (1)

أعلى وأقل 15 دولة في الترتيب

البلد مستوى الحرية الاقتصادية (المؤشر من 100) مستوى الدخل الفردي (دولار)
لاوس 31.97 330.97
ليبيا 29.06 4898
لبنان 58.13 5097
الإمارات العربية المتحدة 72.37 22328
هونغ كونغ 88.39 21818

أما الإمارات والتي استغلت مواردها النفطية فى إطار أوسع من الحرية الاقتصادية، فقد حققت مستوى دخل قدره 22328 دولارا، وهو ما يساوى تقريبا خمس اضعاف الدخل المتحقق فى ليبيا. كما توضح حالة هونغ كونغ انه بالامكان تحقيق مستويات دخل عالية عندما يتم استغلال الموارد ضمن إطار واسع من الحرية الاقتصادية، حتى وان لم تتوفر احتياطيات كبيرة من الخامات والموارد طبيعية.
إن الملاحظات السابقة تشير بوضوح الى مقدار التكلفة العالية التى يفرضها مستوى الحرية الاقتصادية المنخفض على الاقتصاد الليبى، و لتوضيح حجم هذه التكلفة ودور إيرادات النفط في إخفائها نجد ان مستوى الدخل الفردى فى ليبيا سوف ينخفض بنسبة 90 % تقريبا، من 4898 إلى 310 وذلك إذا ما استبعدنا تأثير إيرادات النفط أي أن مستوى الحرية الاقتصادية السائد الآن كان من الممكن أن ينتج مستويات منخفضة جدا من الدخل لولا وجود إيرادات النفط و بصيغة أخرى فإن إيرادات النفط قد عوضت الآثار السلبية لانخفاض الحرية الاقتصادية على الدخل الفردي, وهنا لا ادرى هل اعتبر النفط نعمة ام نقمة و اترك لكل منكم التقدير.
وتوضح الدراسة أيضا أن معامل مرونة مؤشر الحرية الاقتصادية يساوى 4.6، أى أن زيادة مستوى الحرية الاقتصادية بنسبة %1 يؤدي الى زيادة الدخل الفردى بنسبة %4.6 مما يشير بوضوح الى حجم المكاسب المترتبة على زيادة مستوى الحرية الاقتصادية وأن هناك إمكانية كبيرة لتحقيق زيادة كبيرة في الدخل الفردي إذا ما رفع مؤشر الحرية الاقتصادية الى ما يقارب المتوسط العالمي.
وعليه تعد الحاجة إلى توسيع هامش الحرية الاقتصادية للأفراد ملحة جدا إذا ما أريد فعلا تحسين الأداء الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة وفي ضوء هذه النتائج فإننا ندعو إلى تعزيز الاتجاه العام نحو المزيد من التحرير الاقتصادي و وضع الحصان أمام العربة وليس العكس شريطة توفير الضوابط اللازمة لهذا التحرير و المتمثلة فى التشريعات المصاحبة له قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار و قانون حماية المستهلك و التي أنجزت منذ ما يزيد على سنتين و لم تصدر حتى الآن.
وفى النهاية نقول بأن القطة لم تمت بعد فمن يستطيع ان يطلق سراحها؟. انا عن نفسى فقد حاولت و حاولت ولم استطع، فهل تعد انت بالمحاولة ؟ اتمنى منك ذلك……..الى الملتقى.
المصدر صحيفة الوطن

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *